الهبة من الأب إلى أحد الورثة ما الحكم الشرعي والقانوني؟

تُعد الهبة من أهم المعاملات التي يكثر تداولها بين الأفراد في المجتمعات الإسلامية، وخاصة بين الآباء وأبنائهم. ومن أكثر القضايا تعقيدًا والتي تثير الجدل القانوني والشرعي في المملكة العربية السعودية هي الهبة من الأب إلى أحد الورثة دون سائرهم. فهل يجوز ذلك؟ وما الشروط التي تحكم صحة هذه الهبة؟ وهل يمكن الطعن فيها؟
في هذا المقال نعرض رؤية شاملة لحكم الهبة من الأب إلى أحد الورثة من حيث الموقف الشرعي والموقف القانوني في النظام السعودي.
الهبة من الأب إلى أحد الورثة
الهبة من الأب إلى أحد الورثة تعني تمليك الأب لابنه أو ابنته مالًا أو عقارًا أو أي نوع من الأملاك في حياته، دون مقابل. وقد تكون الهبة في صورة نقدية أو عين عقارية أو منقول. وتعتبر الهبة من العقود التي تصح في حياة الواهب، وتتم بمحض إرادته.
لكن ما يثير النقاش هو مدى عدالة هذه الهبة إذا اختص بها أحد الورثة دون الآخرين، خصوصًا أن الأب في هذه الحالة يكون أحد أطراف الإرث، وقد يؤثر فعله هذا على توزيع الميراث بعد وفاته. هنا يتداخل الحكم الشرعي مع القانوني لتحديد مشروعية هذا التصرف.
يمكنك التعرف أيضا على: تقسيم الميراث بعد وفاة الأم بعد الأب
شروط الهبة من الأب إلى أحد الورثة
لصحة الهبة من الأب إلى أحد الورثة يجب توفر عدد من الشروط الشرعية والقانونية، ومن أهمها:
- الرضا الكامل للواهب: يجب أن تتم الهبة برضا تام من الأب، دون ضغط أو إكراه.
- أهلية التبرع: أن يكون الأب كامل الأهلية، عاقلًا، راشدًا، غير مكره أو مجنون.
- تمليك حقيقي: يجب أن يتم نقل الملكية فعليًا، وليس مجرد وعد بالهبة.
- عدم الإضرار بالورثة: من أهم الشروط أن لا تكون الهبة بقصد حرمان بقية الورثة أو الإضرار بحقوقهم.
- العدل بين الأبناء: الشرع يحث على العدل، ولذلك يرى كثير من العلماء أن الهبة يجب أن تكون موزعة بالتساوي بين الأبناء، أو على الأقل وفق قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين”.
- التوثيق الرسمي: في النظام السعودي، يجب تسجيل الهبة لدى الجهات الرسمية مثل كاتب العدل أو المحكمة لضمان صحتها وقابليتها للتنفيذ.
متى تبطل الهبة
الهبة من الأب إلى أحد الورثة قد تبطل في الحالات التالية:
- ثبوت نية الإضرار ببقية الورثة: إذا ثبت أن الأب قصد من الهبة حرمان ورثة آخرين، فقد تبطل الهبة شرعًا.
- عدم التوثيق الرسمي: عدم تسجيل الهبة في الجهات الرسمية قد يعرضها للبطلان عند المنازعة.
- الرجوع في الهبة دون رضا الموهوب له: إذا تم الرجوع في الهبة دون اتفاق الطرفين، فإن ذلك يخل بشرط الاستقرار.
- وفاة أحد الطرفين قبل التمليك الفعلي: إذا مات الأب قبل تسليم المال، اعتُبرت الهبة باطلة وتُعد من التركة.
- فقدان الأهلية العقلية للأب قبل التمليك: إذا فقد الأب أهليته العقلية قبل تمام الهبة، بطلت قانونًا وشرعًا.
- الإكراه أو الغبن الفاحش: إذا ثبت وجود إكراه على الأب أو عدم تناسب بين قيمة المال الموهوب ومصلحة الأب، فقد يؤدي ذلك إلى بطلان الهبة.
هل تدخل الهبة في الميراث بعد وفاة الواهب
من الأسئلة الشائعة: هل تدخل الهبة من الأب إلى أحد الورثة في الميراث بعد وفاته؟
الجواب يتوقف على وقت إتمام الهبة، حيث:
- إذا تمت الهبة وتم تسليم المال أو العقار في حياة الأب، فإنها لا تُعد من التركة ولا تدخل في الميراث، ولا يحق لبقية الورثة المطالبة بها.
- أما إذا لم تُسجل الهبة رسميًا أو لم يتم التمليك الفعلي قبل الوفاة، فإن المال الموهوب يُعد من التركة ويوزع حسب الفرائض الشرعية.
وفي جميع الأحوال، فإن النظام القضائي السعودي يُخضع هذه المسائل لتقدير المحكمة بناءً على الأدلة المقدمة وسلامة إجراءات التمليك.
الهبة من الأب إلى أحد الورثة ابن باز
الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أفتى في عدة مناسبات حول مسألة الهبة من الأب إلى أحد الورثة، وأكد على عدة نقاط مهمة:
- ضرورة العدل بين الأولاد: أوجب الشيخ بن باز على الأب أن يعدل بين أبنائه في العطية، واستند إلى حديث النبي : “اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم”.
- عدم جواز تفضيل بعض الأبناء إلا لسبب معتبر: مثل مرض أو حاجة ماسة أو خدمة قام بها الولد لوالده.
- جواز الهبة إذا رضي بها بقية الورثة: فإذا علم الأبناء ورضوا، فلا حرج في التفضيل.
- ضرورة التوثيق: أوصى الشيخ بضرورة توثيق الهبة حتى لا تكون محل نزاع بعد وفاة الأب.
وبالتالي، فإن رأي الشيخ بن باز يمثل مرجعًا مهمًا في التعامل مع هذه القضايا، ويؤكد أن الهبة المشروطة بالعدل والتوثيق والرضا لا بأس بها شرعًا.
شروط الهبة في الإسلام
تندرج الهبة من الأب إلى أحد الورثة ضمن الإطار العام للهبة في الإسلام، والتي يشترط لصحتها:
- النية الصادقة في التبرع: دون انتظار مقابل.
- وجود الموهوب وتحديده بدقة: لا بد أن يكون الشيء الموهوب معلومًا وقائمًا.
- القبول من الطرف الآخر: لا تصح الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له.
- التسليم الفعلي: لا تكتمل الهبة شرعًا إلا بالتسليم.
- عدم الرجوع في الهبة إلا لسبب شرعي: وخصوصًا إذا كان الموهوب له أحد الأبناء، فإن الرجوع مكروه ما لم يوافق الطرف الآخر.
- أن لا تكون الهبة في مرض الموت: لأن ذلك قد يدخل في باب الوصية.
يمكنك التعرف أيضا على: قضية عقوق كيدية
هل يجوز الطعن في الهبة من طرف الورثة
نعم، يجوز الطعن في الهبة من الأب إلى أحد الورثة في حالات معينة، مثل:
- عدم التوثيق أو وجود خلل في الإجراءات.
- التمييز غير المبرر بين الأبناء.
- ثبوت نية الإضرار أو الحرمان من الميراث.
- قيام الأب بالهبة في مرض موته أو قبل وفاته بفترة قصيرة جدًا دون توثيق رسمي.
ويتم الطعن عادة أمام المحكمة المختصة في السعودية، ويقوم القاضي بالنظر في الأدلة والظروف المحيطة، وقد يتم إبطال الهبة إذا ثبت وجود خلل في النية أو الإجراءات.
ختامًا، يتبين أن الهبة من الأب إلى أحد الورثة من الأمور الحساسة شرعيًا وقانونيًا في المملكة العربية السعودية. وهي تصرف مشروع في أصله، لكنه مشروط بالعدل، ووضوح النية، وعدم الإضرار بالورثة الآخرين، فضلًا عن التوثيق الرسمي لضمان الحقوق.
ومن الأفضل دائمًا استشارة محامٍ مختص في قضايا الأحوال الشخصية، لتقديم النصح القانوني المناسب، وتفادي المنازعات المستقبلية، كما ينصح بالرجوع إلى أهل العلم الثقات في الجوانب الشرعية، تحقيقًا للعدالة والبر.
أسئلة شائعة
هل تدخل الهبة في الميراث بعد وفاة الموهوب له؟
لا، لا تدخل الهبة في الميراث بعد وفاة الموهوب له، إذا كانت الهبة قد تمت وتحققت شروطها قبل الوفاة. بمعنى أنه إذا قام الأب بوهب مال أو عقار إلى أحد أبنائه، وتم التمليك الفعلي خلال حياة الطرفين، فإن هذا المال يصبح ملكًا للموهوب له، ولا يُعد من التركة التي تُوزع بعد وفاة الأب أو الابن.
أما إذا توفي الموهوب له قبل إتمام نقل الملكية الفعلية، أو قبل توثيق الهبة، فقد يُعاد النظر في الهبة باعتبارها لم تتم شرعًا أو قانونًا، ويُعاد المال إلى تركة الأب ويوزع بين الورثة حسب القسمة الشرعية.
ما هو مقدار الهبة في الميراث؟
الهبة لا تُحدد بمقدار معين، فهي عقد تبرع يختلف عن الميراث من حيث الأساس، ولكن في حالة الهبة من الأب إلى أحد الورثة، يُشترط شرعًا أن لا تكون الهبة مجحفة بحقوق بقية الورثة، وأن تكون مبنية على العدل أو لسبب معتبر (مثل حاجة الابن أو قيامه بخدمة والده).
في بعض الفتاوى، يُفضل أن تكون الهبة عادلة، أي أن تكون الهبة للذكور ضعف ما يُعطى للإناث، أسوةً بتقسيم الإرث: “للذكر مثل حظ الأنثيين”. أما قانونًا، فلا يوجد مقدار محدد، لكن يُشترط التوثيق وضمان عدم الإضرار بالورثة الآخرين.
نأمل أن يكون المقال المقدم من أفضل مدونة قانونية في السعودية قد وفر لك إجابات شافية لجميع الأسئلة والمواضيع التي كنت تبحث عنها، وفي حال كان لديك أي استفسار أو سؤال، لا تتردد في التواصل معنا.
المصادر: