تُعد قضية عقوق كيدية من القضايا الحساسة في النظام العدلي السعودي، إذ تتعلق بروابط إنسانية وأخلاقية عميقة تتمثل في العلاقة بين الأبناء ووالديهم. وبينما يُحرص على حماية حقوق الوالدين والاهتمام الكبير بجريمة العقوق لما لها من أثر سلبي على المجتمع والأسرة، إلا أن بعض الحالات قد تشهد استغلال هذه الحماية القانونية من قبل أحد الوالدين أو كليهما في تقديم بلاغات كيدية بدافع الانتقام أو الضغط، وهو ما يُعرف بــ قضية عقوق كيدية.
في هذا المقال، نستعرض بشمولية ما يلي: تعريف القضية، النظام القانوني المتعلق بالعقوق، الإجراءات المتبعة في حال رفع دعوى كيدية، الصيغ القانونية ذات العلاقة، وكيفية الإبلاغ، بالإضافة إلى تناول الحق العام في قضايا العقوق ودور النيابة العامة.
قضية عقوق كيدية
تعني قضية عقوق كيدية قيام أحد الوالدين أو من ينوب عنهما بتقديم شكوى ضد الابن أو البنت يتهمه فيها بالعقوق، دون وجود دليل حقيقي، أو بهدف الانتقام أو تحقيق غايات شخصية. وتُصنف هذه القضية ضمن البلاغات الكيدية، وهي من الجرائم التي يعاقب عليها النظام السعودي.
يمكنك التعرف أيضا على: عقوبة من خبب زوج على زوجته
تبدأ قضية عقوق كيدية عادة ببلاغ يُقدّم للجهات المختصة، متضمناً اتهامات بأن الابن أو الابنة قد أساء إلى والديه، سواء بالقول أو الفعل أو الإهمال، دون أن يكون هناك دليل قاطع على تلك الاتهامات.
ومع أن القانون يولي حماية كبيرة للوالدين، إلا أن النظام لا يغفل عن حماية الأفراد من الظلم والافتراء، وبالتالي فإنه يتعامل مع البلاغات الكيدية بجدية، ويُعاقب من يثبت تورطه في تقديم شكوى كاذبة.
من المهم معرفة أن إثبات الكيدية في مثل هذه القضايا يتطلب أدلة قوية وشهادات واضحة. وتُعتبر هذه القضايا من التحديات القانونية لما لها من طبيعة نفسية وأسرية دقيقة، وغالباً ما تدخل في نطاق “الجرائم المعلوماتية” إذا تم استخدام وسائل التواصل للإساءة.
نظام عقوق الْوَالِدَيْنِ الجديد
أصدرت المملكة العربية السعودية نظام حماية من الإيذاء، والذي يشمل حماية الوالدين من العقوق، لكنه في الوقت ذاته لا يغفل حماية الأبناء من الاتهامات الكيدية.
ويشمل نظام عقوق الوالدين الجديد جملة من البنود التي تنظم العلاقة الأسرية وتُجرم الأذى النفسي أو الجسدي أو الإهمال أو الامتناع عن النفقة أو التواصل الإنساني بين الأبناء والوالدين.
لكن ما يميز النظام الجديد هو التوازن القانوني، حيث يمنع الاستغلال القانوني ويشدد على أن العقوق لا يُثبت بمجرد الشكوى، بل يحتاج إلى تحقيق شرعي، وأدلة كافية، وشهادة شهود أو تقارير رسمية من الجهات الاجتماعية والطبية لإثبات قضية عقوق كيدية.
ينظر النظام كذلك إلى طبيعة العلاقة وسياقها الاجتماعي، فليس كل خلاف أو توتر يُعد عقوقًا، وإنما العقوق الذي يُصنّف جريمة هو ما كان فيه ضرر جسيم أو إساءة واضحة تستوجب التدخل القانوني.
وفي حال ثبوت أن البلاغ كيدي، فإن صاحب الشكوى يُحاسب بتهمة البلاغ الكاذب، وقد يُعاقب بغرامة أو سجن بحسب ظروف القضية.
إجراءات رفع دعوى عقوق كيدية
عندما يشعر الابن أو البنت بأن الشكوى المرفوعة ضده هي شكوى كيدية وليست حقيقية، يمكنه اتخاذ الإجراءات التالية لرفع دعوى عقوق كيدية:
التوجه إلى المحكمة المختصة
بعد حفظ التحقيق أو صدور حكم بالبراءة في قضية عقوق كيدية، يمكن للمدعى عليه التوجه إلى المحكمة الجزائية ورفع دعوى ضد الطرف الآخر يتهمه فيها بالكيدية.
تقديم الأدلة
يجب تقديم ما يثبت أن الشكوى كانت في قضية عقوق كيدية كانت بالفعل كيدية، مثل:
- إفادة شهود.
- تقارير رسمية.
- سوابق عدائية بين الطرفين.
- براءة سابقة بحكم نهائي.
طلب تعويض
يمكن للمدعي (الابن أو الابنة) أن يطلب تعويضاً مالياً عن الضرر النفسي والاجتماعي والمهني الذي تعرض له بسبب البلاغ الكيدي.
النيابة العامة
في بعض الحالات، تتدخل النيابة العامة تلقائياً إذا تبين لها أن البلاغ المقدم يُصنّف كيدياً وتقوم بالتحقيق مع مقدم البلاغ.
تطبيق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية
إذا استُخدمت وسائل إلكترونية أو منصات تواصل لتوثيق أو نشر الشكوى الكيدية، فإن قضية عقوق كيدية قد تخضع لنظام الجرائم المعلوماتية وتُشدد العقوبة.
صيغة دعوى عقوق
قد يُطلب من المتضرر أن يُقدم دعوى مضادة إذا اتضح له أن البلاغ الذي واجهه غير صحيح. فيما يلي مثال على صيغة دعوى عقوق كيدية:
نموذج صيغة دعوى عقوق
المدعي: فلان بن فلان المدعى عليه: فلان بن فلان (أحد الوالدين)
الموضوع: دعوى بلاغ كيدي في قضية عقوق
الوقائع: بتاريخ (….)، قام المدعى عليه برفع شكوى تتهمني بالعقوق أمام الجهات المختصة، وتم التحقيق معي، وقد صدر حكم ببراءتي من التهمة.
أؤكد أن هذا البلاغ لا أساس له من الصحة، وقد تسبب لي في أضرار نفسية واجتماعية ومهنية، وأطالب المحكمة الموقرة بمحاسبة المدعى عليه بتهمة تقديم بلاغ كيدي وفقاً للمادة (….) من نظام الإجراءات الجزائية، وطلب التعويض المناسب.
المرفقات:
صورة من حكم البراءة
إفادة شهود
إثبات ضرر نفسي أو مهني
مع وافر الاحترام
التوقيع/
التاريخ/
رقم التبليغ عن عقوق الْوَالِدَيْنِ
خصصت وزارة الداخلية السعودية ممثلة في الأمن العام ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أرقامًا وخطوطًا ساخنة للإبلاغ عن حالات الإيذاء الأسري، بما في ذلك عقوق الوالدين، وهى كالتالي:
- رقم البلاغات الموحد: 1919
- رقم الطوارئ (بدون شريحة): 999
- تطبيق “كلنا أمن” عبر الأجهزة الذكية
- منصة بلاغات العنف الأسري التابعة لوزارة الموارد البشرية
ولكن يجب التنويه إلى ضرورة تحري الدقة والصدق في الإبلاغ، حيث إن تقديم بلاغ كيدي قد يعرّض المُبلغ للمساءلة القانونية وفق المادة (4) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية والمادة (27) من نظام الإجراءات الجزائية.
الحق العام في قضايا العقوق
تشمل قضية عقوق كيدية جانبين: الحق الخاص، والحق العام. وفي حالة العقوق الحقيقي، فإن الحق العام يشمل المجتمع والدولة التي تتدخل لحماية منظومة الأسرة، وبالتالي فإن العقوبة لا تقتصر على طلب الوالدين فقط.
أما في البلاغات الكيدية، فإن تدخل الدولة يكون لحماية النظام القانوني من الاستغلال، ويحق للنيابة العامة التحقيق في الكيدية حتى لو لم يتقدم المتضرر بدعوى، إذا ثبت لديها ذلك.
يمكنك التعرف أيضا على: دعوى اسقاط حضانة لزواج الام
حيث يشمل الحق العام في قضية عقوق كيدية ما يلي:
- تحقيق النيابة العامة مع المدعى عليه والاطلاع على السياق الاجتماعي والنفسي.
- التأكد من صدق البلاغ ومدى وجود ضرر فعلي.
- تقديم الدعوى العامة ضد مقدم البلاغ الكيدي في حال ثبوت سوء النية.
- فرض عقوبات تشمل الغرامة أو السجن أو كليهما.
وقد نصت اللوائح الجديدة على أن الحق العام لا يسقط بالتنازل، بل تستمر المحاسبة القانونية إذا ثبت الضرر المجتمعي.
ختاما، تُعد قضية عقوق كيدية من أخطر القضايا التي تمس النسيج الأسري والمجتمعي، وتهدد العلاقة المقدسة بين الأبناء ووالديهم. وقد وفرت المحاكم السعودية آليات متقدمة للتعامل معها بحزم وعدالة، بحيث لا يُظلم أحد، ولا تُستغل القوانين لغايات شخصية.
من المهم توعية الأسر بضرورة اللجوء إلى الصلح والإصلاح قبل اللجوء إلى القضاء، وأن تُستخدم القوانين لحماية الحقوق لا لتصفية الحسابات. في النهاية، فإن المحاكم السعودية تتعامل مع قضية عقوق كيدية بميزان دقيق يراعي الشريعة والعدالة والحق العام.
أسئلة شائعة
ما هي عقوبة الدعوى الكيدية في المملكة العربية السعودية؟
تُعد الدعوى الكيدية، بما في ذلك البلاغات الكاذبة عن العقوق، جريمة يعاقب عليها القانون السعودي بشدة، حيث تختلف العقوبة حسب طبيعة الدعوى ومدى الضرر الناتج، وتشمل:
- الغرامة المالية التي قد تصل إلى مئات آلاف الريالات.
- السجن لفترات متفاوتة، تبدأ من عدة أشهر وقد تصل إلى سنوات.
- المساءلة الجنائية بموجب نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية إذا استُخدمت وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسائل الإلكترونية في تقديم البلاغ الكيدي أو نشره.
- كما يمكن فرض تعويضات مدنية على المدعى عليه لتعويض المتضرر عن الأضرار النفسية والاجتماعية والمادية.
ما هي عقوبة العقوق وفقًا للنظام السعودي؟
العقوق في المملكة يُعتبر جريمة جزائية، وتتفاوت العقوبات حسب نوع العقوق وشدته، وهي:
- السجن لمدة تصل إلى سنة، خصوصاً إذا ثبت الإيذاء الجسدي أو النفسي للوالدين.
- الغرامة المالية التي قد تفرض على الابن أو الابنة المخطئة.
- في حالات معينة، قد تشمل العقوبة الإبعاد عن المنزل أو تقييد الاتصال وفق قرارات المحكمة.
- كما تتيح الأنظمة الحديثة التدخل الاجتماعي والإرشاد الأسري لإصلاح العلاقة بدلاً من العقوبة فقط.
ما هي القضايا المتعلقة بالعقوق الكيدي؟
تشمل القضايا المتعلقة بالعقوق الكيدي:
- تقديم بلاغات كاذبة تتهم الأبناء بالعقوق دون أدلة.
- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسائل الإلكترونية لنشر اتهامات كاذبة.
- استغلال النظام القانوني لمصالح شخصية وانتقامية ضد الأبناء.
- رفع دعاوى قضائية كيدية بهدف الضغط على الأبناء أو انتزاع مكاسب مادية أو معنوية.
ما هي الأدلة التي تدعم قضية العقوق؟
لإثبات وجود عقوق حقيقي أو دحض الادعاءات الكيدية، يعتمد القانون على الأدلة التالية:
- شهادات الشهود الذين كانوا حاضرين أو على معرفة بسلوك الطرف المتهم.
- تقارير الجهات الاجتماعية أو الطبية التي توثق حالات الإيذاء النفسي أو الجسدي.
- الأدلة المكتوبة أو الإلكترونية مثل الرسائل، التسجيلات الصوتية، أو مقاطع الفيديو.
- الأحكام القضائية السابقة التي تؤكد تاريخ النزاع أو براءة المتهم.
- الإفادات الشخصية من طرفي النزاع أو خبراء متخصصين في علم النفس أو الشؤون الأسرية.
نأمل أن يكون المقال المقدم من أفضل مدونة قانونية في السعودية قد وفر لك إجابات شافية لجميع الأسئلة والمواضيع التي كنت تبحث عنها، وفي حال كان لديك أي استفسار أو سؤال، لا تتردد في التواصل معنا.
المصادر:
